أعلنت جوجل اليوم خلال حدثها المُنتظر عن هاتفيها الجديدين Pixel و Pixel XL. ويُعتبر هذا الحدث نقطة فارقة في تاريخ جوجل، تختلف عن معظم مؤتمراتها السابقة، حيث أعلنت الشركة رسميًا أنها تحوّلت من شركة برمجيات فقط، إلى شركة برمجيات وعتاد معًا.
رغم أنه كان للشركة بعض التجارب المحدودة في صنع أجهزتها الخاصة وذلك من خلال حواسب Chromebook Pixel والحاسب اللوحي Pixel C، لكنها كانت -كما قلنا- عبارة عن تجارب. إلّا أن ما أعلنته الشركة اليوم هو تحوّلها إلى شركة تصنع الهواتف بشكلٍ كامل، مثلها مثل سامسونج أو آبل أو هواوي.
دعنا نضع هذا في سياقٍ آخر: عندما أعلنت جوجل عن أندرويد قبل سنوات، اعتقدنا في البداية أنها وضعت نفسها وجهًا لوجه ضد آبل، لكن تبيّن أن هذا لم يكن دقيقًا حيث فضّلت جوجل عدم الخوض في هذا المجال واكتفت بتقديم نظام التشغيل والتعاون مع الشركات الأخرى لصناعة هواتف أندرويد. هذا يعني أن جوجل لم تحقق أي أرباح مباشرة تقريبًا من أجهزة أندرويد المُباعة، لأنها ليست هي من صنع وباع الأجهزة. وحتى عندما طرحت برنامج Nexus وقدمت هواتف بـ “تجربة جوجل” صنعت لها هواتفها الشركات الأخرى، ورغم أن جوجل تدخلت بشكلٍ أو بآخر في عملية تصميم وتطوير الهاتف، لكن اليد العليا كانت للشركات التي طوّرتها لها مثل اتش تي سي وإل جي وهواوي وموتورولا، حتى أن بعض هواتف Nexus لم تكن إلّا نسخة مُطابقة تقريبًا لهواتف موتورولا أو هواوي مع تعديلات بسيطة. وقد ذكرت جوجل اليوم في مؤتمرها أن تأثيرها على تصميم وتصنيع هواتف Nexus لم يتجاوز الـ 20% من العملية، في حين أن 80% منها كان بواسطة الشركة المًصنّعة للهاتف نفسها.
اليوم تغيّر كل شيء، وصار بإمكاننا مقارنة جوجل مُباشرةً بآبل أو إتش تي سي. حيث طرحت جوجل لأول مرة هاتفًا من إنتاجها، وتصميمها، وتطويرها وتصنيعها بشكلٍ كامل. لهذا فضّلت إلغاء علامة Nexus التجارية واستبدالها بـ Pixel.
الشائعات السابقة ذكرت بأن الهاتف من صنع اتش تي سي، والهاتف يحمل دون شك لمسة اتش تي سي. لكن جوجلأكدت في لقاء مع موقع بلومبيرغ الإلكتروني بأنها استعانت بإتش تي سي لتجميع الهاتف فقط، وأضافت بأن ما تمثله اتش تي سي لهاتف بيكسل، هو نفس ما تمثله مصانع فوكسكون Foxconn لهاتف آيفون، حيث تصمم وتطوّر آبل هاتف آيفون بشكلٍ كامل ويكون على فوكسكون التجميع والتركيب فقط.
ما تقوله جوجل هو أن عملية تصنيع هواتف Pixel تمّت بشكلٍ كامل تحت سقفٍ واحد وهو سقف جوجل، كما رفضت الشركة ضمن نفس اللقاء أن تقول بأنه قد تم التعاون في تطوير الهاتف مع أي شركة أخرى.
إذَا، الآن قررت جوجل عمل ما ظننا أنها ستفعله قبل ثمان سنوات، وهو التنافس المباشر مع آبل عتاديًا وبرمجيًا. وأصبح هناك الآن ما يُمكن أن نسميه Google Phone بالمعنى الحرفي للكلمة.
لستُ هنا بمعرض إبداء الرأي في حال كانت هذه خطوة حكيمة من جوجل أم لا. هل كان من الأفضل لها أن تبقى شركة برمجيات؟ ربما نعم، وربما لا. هل من الحكمة أن تتنافس الآن بشكل مباشر مع شركائها مثل سامسونج وإل جي ولينوفو وغيرها؟ من المبكر الآن الإجابة على هذا السؤال، لكن ما أريد قوله بأن هذا الإصدار الأول من الهاتف على الأقل سيكون رهانًا خاسرًا ضد آبل بجميع المقاييس.
رغم أن الهاتفين رائعين، وستكون لنا عودة للحديث تفصيليًا عنهما، إلّا أنهما يحملان أسعارًا باهظة قياسًا بعالم الأندرويد، وبالتالي أعتقد بأنهما لن يجذبا جمهور الأندرويد بكثرة، ولن يجذبا جمهور الآيفون أيضًا في ذات الوقت.
جوجل سعّرت هواتفها بنفس أسعار هواتف آيفون 7! على سبيل المثال فإن سعر iPhone 7 Plus نسخة 32 غيغابايت في الولايات المتحدة هو 769 دولار وسعر Pixel XL نسخة 32 غيغابايت هو أيضًا 769 دولار بالضبط! قمتُ أيضًا بالتحقق من أسعار الهاتفين في أوروبا، على سبيل المثال فإن سعر نسخة 128 غيغابايت من iPhone 7 Plus يبلغ 1.009 يورو، في حين يبلغ سعر نسخة 128 غيغابايت من Pixel XL -استعد للمفاجأة- 1.009 يورو، نفس السعر تمامًا بالفاصلة والسنت.
صحيح أن Pixel XL يقدم مواصفات عتادية أعلى لكن مُستخدم آيفون العادي لا يهتم بالعتاد وقد لا يعرف حتى ما الذي يوجد داخل هاتفه، وبالتالي فإن محاولة إقناعه بالذهاب إلى Pixel يجب أن تتم من خلال فارق السعر بالدرجة الأولى. ولا أدري لماذا قامت جوجل بوضع أسعار مُطابقة لأسعار آيفون على جميع الأحوال، إذ لا أجد أنه من اللائق بها أن تبدو بمظهر من يستميت في المنافسة مع مُنافسه الأكبر لدرجة تقليد أسعاره حتى آخر سنت.
لكن المشكلة الثانية هي أن هواتف Pixel ومهما كانت رائعة ليست كافية لجذب جمهور أندرويد نفسه. من الصعب جدًا أن تُقنع المستخدم العادي كي يُخرج من جيبه حوالي 649 دولار (أو 759 يورو في أوروبا) ليشتري نسخة 32 غيغابايت من Pixel بدل أن يدفع 399 دولار ليشتري نسخة 64 غيغابايت من OnePlus 3 الذي يمتلك نفس الشاشة مع 6 غيغابايت من الذاكرة العشوائية ومعالج Snapdragon 820 القريب جدًا من معالج Pixel، بل يمتلك حتى تصميمًا معدنيًا مشابهًا.
ستقول لي بأن Pixel لديه ميزات مثل سرعة التحديثات و Google Assistant وكاميرا أفضل؟ هذا صحيح لكن حتى أنا، أشد المتحمسين لجوجل وتجربة أندرويد الصافية، أرى صعوبة في إخراج مثل هذا المبلغ لهاتف جوجل ونحن في بحر من الأجهزة ذات المواصفات العالية والأسعار المتوسطة، فما بالك بالمُستخدم العادي الذي يمثل الغالبية العظمى من السوق؟ طبعًا ضربتُ OnePlus 3 كمثال فقط، هناك الكثير من الأجهزة الأخرى الرائعة من هواوي وأسوس وغيرها. هل ستخسر سرعة التحديثات؟ بكل تأكيد، لكن لو لم تكن مُستخدمًا مُتحمّسًا لجوجل هل ستدفع 250 دولار إضافية (على الأقل) من أجل التحديثات وتجربة جوجل الصافية؟ أنت قد تفعلها، لكن غالبية السوق لن تقوم بذلك.
لهذا أتوقع أن يقتصر مشترو هواتف Pixel على فئة من المُتحمّسين لجوجل وهواة تجربة كل شيء جديد في عالم الهواتف الذكية، لكن هذه الهواتف ستمر مرور الكرام على بقية السوق. وأتوقع أن تفشل جوجل في تحقيق أية أرباح فعلية من الهاتفين.
لكن ذلك لا يعني فشل سلسلة Pixel بالمُطلق، أنا أتحدث فقط عن هذا الإصدار الأول. الآن سيكون أمام جوجل تحدٍ كبير خلال الأعوام القليلة القادمة وهو نجاحها في خلق ولاء كبير في السوق لعلامة Pixel التجارية يجعل فئة كبيرة من الناس تشتري هواتفها الباهظة دون الكثير من التفكير والمقارنة، تمامًا كالولاء الذي خلقته آبل أو سامسونج لهواتفها. هذا يحتاج إلى جهد كبير ووقت، وأعتقد أن جوجل تُدرك هذا جيدًا وتخطط له.
كنت أتمنى لو طرحت جوجل هواتفها بأسعار موازية لأسعار هواتف Nexus السابقة، مثلًا بدءًا من 450 دولار لنسخة Pixel و 600 دولار لـ Pixel XL. لكن من الواضح أن الشركة تسعى خلف الفئة التي تحظى بها آبل من السوق، وفي ذات الوقت قد تكون هذه فكرة حكيمة من جوجل كي تتجنب تدمير فئة هامة جدًا من سوق أندرويد وهي فئة أعلى الفئة المتوسطة.
ستكون الأيام القادمة كفيلة بتبيان مصير هواتف Pixel، وأنا أعتقد أنها هواتف رائعة بشكلٍ عام، لكن الإصدار الأول منها على الأقل هو رهانٌ فاشل ضد آبل، وسيكون أمل جوجل هو في الإصدارات القادمة.
0 commentaires: